انقذوا حياة رجال الدين والنشطاء والمعارضين السلميين من أحكام الإعدام في مملكة الخوف السعودية
استقبلت المنظمات الحقوقية الموقعة ببالغ القلق الأنباء المفزعة بشأن استعداد السعودية لتنفيذ حكم الإعدام، بعد شهر رمضان، بحق 3 رجال دين بارزين هم سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري. وتدعو المنظمات المجتمع الدولي للتدخل الفوري للضغط على الحكومة السعودية لوقف أي إجراءات لتنفيذ أحكام الإعدام. وإذ تندد المنظمات بالصمت المشين للمجتمع الدولي إزاء أحكام الإعدام الجماعية التي نفذتها السعودية في أبريل الماضي بحق 37 مواطنا في محاكمات جائرة، فإنها تؤكد أن هذا الصمت يعد بمثابة ترخيص للمملكة بقتل المزيد من مواطنيها بقرارات يصدرها قضاء معيب لا يتمتع بتوافر الحد الأدنى من معايير المحاكمات العادلة.
كانت السلطات السعودية قد ألقت القبض على الدعاة الثلاثة ضمن حملة اعتقالات في سبتمبر 2017 شملت العشرات. ويعاني الثلاثة من إساءة المعاملة والحبس الانفرادي. ووجهت لهم النيابة السعودية عشرات التهم الفضفاضة، دون تقديم أدلة ملموسة، مثل الإرهاب والارتباط بجماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها السعودية كجماعة إرهابية، والعلاقة مع الحكومة القطرية التي تقاطعها السعودية، فضلا عن تهم أخرى غامضة مثل “الإفساد في الأرض” و”إحياء الفتنة العمياء”. وفي سبتمبر 2018 طالبت النيابة العامة بتنفيذ عقوبة الإعدام بحق الثلاثة، وجاءت الأنباء الأخيرة لتثير القلق العارم على حياة المتهمين الثلاثة وغيرهم في غياهب السجون السعودية التي تكتظ بسجناء الرأي. وقد استقبلت سجون المملكة في أبريل الماضي دفعة جديدة من معتقلي الرأي بلغ عددهم نحو 14 مدون وكاتب ومدافعات عن حقوق الإنسان، يطالبون جميعًا بالإصلاح بشكل سلمي.
بعد وقت وجيز من تعيين الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد، تحولت السعودية إلى مملكة للخوف لا يتمتع فيها أصحاب الرأي والمطالبون بالإصلاح السياسي بالحد الأدنى من الأمان. إذ أصبح التعبير السلمي عن الرأي سببا كافيًا للزج بأصحابه في السجن أو تعرضهم للقتل خارج إطار القانون. وفي هذا الإطار يتعرض العديد من المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والكُتاب والمثقفين والمعارضين السلميين للمحاكمات الجائرة، وصدرت ضد بعضهم أحكام بالسجن والإعدام، ويتم استخدام الإعلام المملوك للدولة في تشويه سمعة نشطاء حقوق الإنسان واتهامهم بالخيانة.
تعاني النساء في السعودية من قمع هائل مصدره التقاليد المجتمعية المحافظة، وتغذيه سطوة رجال الدين المتشددين الذين تلقوا الدعم من الدولة على مدى عقود طويلة. وفي هذا السياق، قررت مجموعة من النساء أن يتحدين بشجاعة القيود المفروضة عليهن، وانتقاد نظام ولاية الرجل والمطالبة ببعض الحقوق الأساسية مثل قيادتهن للسيارات. ولكن نظام ولي العهد الذي يسعى للترويج لنفسه للغرب كإصلاحي نفذ في 2018 حملة اعتقالات بحق عدد من المدافعات البارزات عن حقوق النساء، وأفادت تقارير حقوقية عن تعرض بعضهن لسوء المعاملة والتعذيب والتحرش الجنسي. وفي 2019 أصدرت المحكمة الجزائية قرارين بالإفراج المؤقت عن 7 من بين 11 ناشطة محتجزة، ويواجهن جميعا خطر التعرض للسجن في محاكمات غير عادلة. وفي قضية أخرى طالبت النيابة العامة في 2018 بإعدام الناشطة إسراء الغمام التي شاركت في احتجاجات معارضة سلمية. وفي الآونة الأخيرة برزت ظاهرة فرار بعض الفتيات السعوديات من قمع الأسرة والمجتمع إلى بلدان أخرى، وتقديمهن طلبات اللجوء إليها سعيًا للحياة الآمنة والتمتع بحقوقهن الأساسية بعيدًا عن نظام ولاية الرجل.
ويعيش مجتمع حقوق الإنسان في السعودية في ظل الخوف من بطش أجهزة الأمن والقضاء غير المستقل الذي لا يتمتع بتوافر الحد الأدنى لمعايير المحاكمات العادلة. كما يجرّم قانون مكافحة الإرهاب، الصادر في 2017، ممارسات سلمية ويتضمن تعريفات فضفاضة للأفعال الإرهابية تسمح بمعاقبة نشطاء حقوق الإنسان. وفيما لا توجد مدونة لقانون العقوبات، تطبق السعودية الشريعة الإسلامية بتبنيها لأكثر التفسيرات تشددًا، وبما يسمح للقضاة بإصدار القرارات وفقا لأهواءهم ولخدمة المصالح الضيقة للنظام الحاكم وتنفيذ سياساته القمعية. وفي هذا الإطار، سجنت السعودية غالبية مؤسسي “جمعية الحقوق المدنية والسياسية السعودية”، وينفذ الناشط البارز وليد أبو الخير حكما بالسجن 15 عاما عقابا له على آرائه السلمية. وصدرت بحق العديد من المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان قرارات بالسجن وبالمنع من السفر. وفي هذا السياق، قررت مجموعات من النشطاء خلال السنوات الماضية الاستقرار في الخارج، ليس فقط بحثًا عن بيئة عمل آمنة تسمح لهم بالعمل والدفاع عن حقوق الإنسان، بل للحفاظ على حياتهم.
ولكن أجهزة الأمن السعودية الراغبة في إخراس أي صوت ناقد لسياسات بن سلمان حتى خارج حدود المملكة، تحدت المجتمع الدولي ونفذت العام الماضي جريمة اغتيال بشعة للصحفي البارز جمال خاشقجي على يد فرقة قتل في القنصلية السعودية في تركيا. ورغم اعتراف السعودية بارتكاب الجريمة وتواتر التقارير عن تورط ولي العهد في إصدار الأمر بتنفيذها، فإن المجتمع الدولي لم يبذل أي جهد لضمان محاسبة القتلة الذين يبدو أنهم قد أفلتوا من العقاب. وهو ما يؤكد للسلطات السعودية أنه لا توجد إرادة سياسية لدى المجتمع الدولي لردعها، والنتيجة الحتمية هي تهديد حياة المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين في الخارج. التهديد لا يواجه فقط السعوديين بل يطال غيرهم من الناقدين لسياسات المملكة. وفي هذا الإطار تلقى مؤخرا إياد البغدادي الناشط الفلسطيني المقيم في النرويج والناقد البارز لسياسات بن سلمان تحذيرًا أمريكيًا من وجود مخطط سعودي لتصفيته.
إن المنظمات الموقعة تؤكد أن عدم معاقبة السعودية على سجلها الأسود في مجال حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة يشجع النظام السعودي على الاستمرار في سياساته الوحشية. وكما مر إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي البارز نمر النمر في مطلع 2016 – وكانت جريمته هي الانتقاد السلمي للسلطات – دون رد فعل مناسب من المجتمع الدولي؛ تزداد المخاوف إزاء جدية الأنباء الواردة بشأن إمكانية إعدام الدعاة الثلاثة خلال الفترة المقبلة. حيث تتابع المنظمات لامبالاة بعض العواصم الغربية الرئيسية بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في السعودية، وتجاهل قيم حقوق الإنسان العالمية التي طالما دعمتها في فترات سابقة، مقابل الاستمرار في عقد الصفقات التجارية مع الرياض التي تعرف كيف تشتري صمت الدول الكبرى. وتتفاقم احتمالات إفلات النظام السعودي من العقاب على جرائمه المتواصلة؛ بسبب حاجة الولايات المتحدة لدعم السعودية في تصعيدها ضد إيران أو لكونها أحد رعاة ما بات يُعرف بصفقة القرن.
تابعت المنظمات الموقعة ما شهدته جلسة مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في مارس الماضي، من انتقاد لسجل السعودية في مجال حقوق الإنسان في أعقاب مقتل خاشقجي؛ لكنها تؤكد أن أثر الانتقاد لم يتجاوز بعد جدران المجلس. وتدعو المنظمات الحكومات التي شاركت في نقد السجل السعودي إلى التحرك العاجل لإنشاء آلية دولية لمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة وضمان محاسبة المتورطين فيها، والضغط على السعودية من أجل الإفراج غير المشروط وإسقاط التهم الهزلية والمزيفة بحق المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والمعارضين السلميين. ولكن حتى يتم ذلك؛ فعلى كل الحكومات والمجالس التشريعية ودعاة حقوق الإنسان التحرك العاجل لإنقاذ حياة الدعاة الثلاثة الذين قد يتعرضون للقتل خلال أيام. وهو المصير الذي سيواجهه العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان إذا ما تم تنفيذ إعدام العودة وقرني والعمري، وأفلت النظام السعودي من العقاب.
التوقيعات:
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسانمواطنة لحقوق الإنسان (اليمن)المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونيةالمرصد السوداني لحقوق الإنسانجمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة (المغرب)الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانساناللجنة من اجل احترام الحريات وحقوق الانسان في تونسالجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفرديةالجمعية التونسية لمساندة الاقلياتالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيينجمعية يقظة من اجل الديمقراطية والدولة المدنية (تونس)مركز تونس لحرية الصحافةمؤسسة احمد التليلي من اجل الثقافة الديمقراطية (تونس)لجنة يقظة من اجل الديمقراطية في تونس- بلجيكاجمعية العمال المغاربة بفرنساجمعية التونسيين بفرنساالجمعية الوطنية للشباب، راج الجزائرجمعية “أكدا” من اجل التغيير والديمقراطية في الجزائرالتنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان
مركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان